النكبة دوت كوم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مع مرور 60 عاما على النكبة ، شرعت المؤسسات الوطنية الفلسطينية بتجهيز احتفالات وطنية للمناسبة ، وحين دعاني احد المناضلين لإلقاء كلمة بالمناسبة أجبته : وماذا سأقول للناس ؟ هل أقول لهم عقبال 120 سنة . ورفضت إلقاء الكلمة .

وأنا اعتقد أن المهم هذا العام هو ستون عاما وليس النكبة في عامها الجديد ، أي أن التراكم الكبير للزمن ومرور 60 عاما هو الذي يجب أن يشد انتباهنا وليس الهزيمة الكبيرة التي نطلق عليها اسم نكبة والتي مضى عليها ست عشرات من السنين.

ولان معظمنا لم يكن قد ولد حين وقعت النكبة ، فإننا نشحن ذاكرتنا حولها من ثلاثة مصادر : المصدر الأول الشهادات الشفوية وما أكثرها لأننا أصلا لاجئون ومن عائلات نزحت ولجأت حتى ثملت حسرة وبؤسا ، وفي كل شاردة وواردة يتحدث جدي وأبي عن النكبة لدرجة لم نعد نحتاج إلى أية كتب أو دراسات عنها .

المصدر الثاني : الدراسات ، والحق يقال انه لأمر طريف أن يأتي باحث أو صحافي ويٍسأل امة مهزومة عن هزيمة وقعت على رأسها قبل ستين عاما .

المصدر الثالث "جوجل" أدامه الله ملهاة للشعوب الفقيرة وباحثا جديا للدول الغنية ، وبنك المعلومات "جوجل" لم ينس أي تفصيلة من تفاصيل الأمر ، ووجدتنا ندخل إلى جوجل ونكتب أسماء قرانا وبلداتنا فتتساقط المعلومات فوق رؤوسنا من دون تعب أو جهد ، وبكل يسر .

واعتقد أننا الآن في مرحلة نكبة دوت كوم ، وان شئنا التغيير سنقول النكبة دوت نت ، فلم نعد نخشى النسيان والحمد لله . وإذا احد منا منشغل ولا يستطيع الحزن على بلدته التي أكلها الزمان ، فلينتقل إلى موقع آخر على الانترنت وسيسمع ما يرضيه ، من أغنية "بيع الجمل يا علي" وحتى "بحبك يا حمار"! .

ومن الحري القول أن أمما أخرى تعرضت للنكبة في نفس الفترة ، وهي فترة الحرب العالمية الثانية ، مثل الأمة اليابانية والأمة التركية والايطالية والروسية ( روسيا خسرت 20 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية ) والأمة الفرنسية وغيرها .
ولكن – أين أصبحوا هم بعد ستين عاما وأين أصبحنا نحن ؟

أخر مرة زرت فيها أوروبا شعرت أن الغرب ينظر لنا ( إننا نحن العرب مجرد شعوب فاشلة نرزح تحت زعامات فاسدة ومعارضة خائنة لمبادئها ) وغضبت جدا من هذا الشعور ، وطوال الرحلة في الطائرة وأنا اشعر بالمرارة إلا أنني حين وصلت إلى هنا مرة أخرى قلت بيني وبين نفسي – لقد صدقوا... والله إننا كذلك فعلا .

بعد ستين عاما من النكبة ، انظر حولي فلا أرى سوى الفشل والحقد والكراهية ، وقليل من المقاومة التي يتولاها اقل من 3% من الشعب الفلسطيني ، ولا أرى سوى الجدار الإسمنتي وتهويد القدس والاغتيالات والدبابات والغارات .

وأمام ملحاحية السؤال حول الذكرى لا أجد سوى هذا القول : علينا نحن الفلسطينيين أن نتمسك أكثر وأكثر بالتعليم والتعليم العالي وان ندفع بالسلطة والمعارضة أن تساهم في تقوية الجامعات وتقديم التعليم في المدارس وان نكسر اليد التي تمتد لتخريب أي مدرسة أو جامعة .

ومن وجهة نظري ، نحن شعب لا نملك بعد ستين عاما من النكبة سوى التعليم نفاخر به ونجابه التحديات ، التعليم الذي أوصانا عليه الزعيم الراحل ياسر عرفات وهو الذي كان يركض بفرح ليلبي دعوة جامعة أو كلية أو مدرسة تطلب منه تدشين صرح أو تخريج فوج من الطلبة . وهو الذي كان يدعم الجامعات والمعاهد لتدريس شبه مجاني للفلسطينيين ، أما اليوم فلا تستطيع عائلة من العائلات الفقيرة أو المتوسطة أن تدرس ابنها أو ابنتها في جامعة عربية او أجنبية .

ونحن لا نملك بترولا ، ولا حتى مصنعا للملابس الداخلية ، لا نملك سلطة على كرم عنب أو مزرعة أبقار ، لا نملك نهرا ولا بحرا ولا ميناء ولا سفينة ولا طائرة ولا حتى قنبلة مسيلة للدموع ،ولا نملك صداقة مع دول الاتحاد السوفييتي ليدرس ابناؤنا مجانا هناك ، ولكننا نملك إرادة حرة ونفس أبية وشهادة علمية تحمينا من النائبات إذا ما أدارت لنا الحياة ظهر المجن – أو تكالبت علينا الخطوب .

في الذكرى الستين للنكبة – لندرس ونحمل الشهادات – فهي وحدها خط الدفاع الأول في وجه الفقر والجهل والعبودية ونقول لمنظمة التحرير وللحركات الإسلامية والحكومات العربية وللدول الصديقة للشعب الفلسطيني ، افعلوا ما شئتم بنا ولكن أعطوا أولادنا وبناتنا فرصة التعلم والحصول على شهادات تحميهم من غدر الزمان ولتعلن الجامعات العربية والإسلامية والعالمية تخفيضا للرسوم وتسهيلا لقبول الطلبة الفلسطينيين في الجامعات إذا أرادت مساعدتنا – إن الله لا يخلف وعده.

بقلم :- ناصر اللحام

مشكور يا ابو ادهم